صفحات سوداء .... من تاريخ الصراع في اليمن


ليس هناك أشد فتكا و أعمق جراحات و انكى الاما من الفتن الداخلية و الحروب العبثية و الصرعات العسكرية على السلطة و النفود داخل الاوطان و أكثرها كارثية هي تلك التي تمتطي المقدس و توظف الدين لااغراضها الذاتية و اطماعها الماكرة في السلطة والثروة والحكم

ثمة مشهد متكرر في تاريخ الصراعات في اليمن رافق مسيرة الف عام و نيف من تاريخ البؤس و متوالية الاحتراب و معزوفة المنافسة بحد السيف على السلطة و الثروة كمفردتين دفع اليمنيون من اجليهما اثمانا باهظة من دمائهم و أموالهم و توقف مسيرتهم الحضارية عن ركب العالم و تقدم البشرية
لناخذ فترة من فترات القتامة و الركود والتي تؤرخ لثلاثين عاما من الصراع
بوفاة (( المهدي )) محمد بن أحمد صاحب المواهب في 1130ه
صفت الامامة و خلصت السلطة لابن أخيه القاسم بن أحمد الذي تلقب ( بالمتوكل ) و اتخذ من صنعاء عاصمة له و لاعقابه من بعده
و قد اجمع الكثيرون أن لم نقل توافق الجميع أنه كان ظلومأ غشوما اسرف في القتل و بالغ في التنكيل و لم يرعي في مؤمن إلا و لا ذمة و لا في قريب رحمة أو رحم فقد قتل رئيس حاشد و بكيل حينها ( أبن حبيش ) في بيته و على مرأى و مسمع من ابناء قبيلته الذي خذلوه و لم يجرأ أحد على مناصرته و رد الجور عنه
ثم نكل ب ( ال القاسم ) و استولى على ما تحت أيديهم من الإقطاعيات و الزمهم بدفع الزكوات و ضيق عليهم .

و ما لبث ان أدعى اثنان من ابناء عمومته الإمامة و فشلا ، و كلاهما تلقبوا ب ( المؤيد ) أحدهما
يدعى الحسن بن القاسم بايعه أهل شهارة و ما جاورها في العام 1131ه و الآخر محمد بن إسحاق أعلن من أرحب نفسه إماما في 1136ه ثم تنازل مقابل الفين قرش من عائدات ميناء المخا الذي اجتاحه آنذاك الفرنسيون وفتكوا بالكثير من ابنائه العزل و اقتطاع بلاد الروس ضمن صفقة التنازل تلك .
و في استعراض لسباق الخيل ذات يوم من عام 1138ه و بحضور المتوكل مالت الخيل فافزعت القبائل المشجعة للسباق فأطلق أحد أبناء قبيلة أرحب طلقة و احدة ليصرفها عن جموع الناس فطاشت لتردي أحد جنود الطاغية قتيلا و الذي أمر على الفور بقتل مائة من ابناء أرحب و أسر ستمائة آخرين مقابل جند واحد قتل بالخطاء و تحكم الشريعة في مثله بدية واحدة ليس الا .
وضل الصراع على السلطة و الثروة و النفود هو المتحكم بمسار الأحداث و المسيطر على تلك اللحظة الزمنية الكئيبة من تاريخ اليمنيين حتى وصل إلى البيت الإمامي ذاته و انفجر بين المتوكل الأب وابنه ( الحسين ) عامله على عمران و الذي استغل سخط القبائل الغاضبة على أبيه و قاد جموعهم نحو اجتياح العاصمة صنعاء و التقى الجمعان و لم يظفر أحدهما بنصر محقق اوعز الأب للعلامة ابن الأمير الصنعاني لقيادة مصالحة أفضت إلى دخول الابن للمدينة البائسة المنكوبة و ابوه على سرير الموت يعالج النزع الأخير و الذي وفاه الأجل في ( رمضان 1139ه ) و الذي لم يعر أمر وفاة والده من الاهتمام شيء يذكر ،
و كان من نتائج تلك الوفاة

أن أعلن يوسف ابن المتوكل اسماعيل نفسه إماما من قلب العاصمة صنعاء ،
و من حصن ظفار جدد محمد بن إسحاق دعوته لنفسه و تلقب ب ( الناصر ) و لم يمر اسبوع حتى دخل في سباق الدعوة للامامة الحسين ابن الإمام المتوفى الاتي من عمران بالخروج على أبيه إماما ثالثا و تلقب ب ( المنصور ) و دارت متوالية الصراع حتى رجحت كفته اي ( الناصر ) محمد بن اسحاق و سيطر أقاربه بقوة السلاح على كل نواحي اليمن عدى تعز .
ناصر الشيخ علي بن قاسم الأحمر شيخ حاشد الإمام الناصر على الرغم من الصداقة التي كانت تجمعه ب المنصور و الذي استدعاه للتشاور و غدر به وارداه قتيلا على ربوة عصر المطلة على العاصمة صنعاء و قد إثر على المنصور ذلك الفعل الغادر و الب عليه قبائل حاشد و بكيل و رجحت كفت الناصر و دخل المنصور في بيعة الناصر و اشترط لنفسه صنعاء و ما حولها فكان له ما أراد لكنه اضمر الغدر و الخروج على الناصر

جدد المنصور دعوته متجاوزا الصلح الذي لم يدم طويلا و هزم الناصر شر هزيمة و اودا به المهالك وبالغ با التنكيل باسرته و أقاربه حتى استسلم مرغما في 1143ه و قد ساعد بقاء اخ المنصور على تعز على تعزيز ذلك الانتصار و كان أحد أسبابه الرئيسية
المنصور كان حاقد كارها لسكان صنعاء لأنهم كانوا يتهمونه بعقوق و الده فتفنن في اذلالم و بالغ في النقمة عليهم و استباح منازلهم و أموالهم و الزمهم بالخروج منها لإيواء القبائل و من ما أجمعت عليه المصادر التاريخية انه كان ظالما غشوما متعديا

مذلا لسكان المناطق الشافعية المذهب و هو ما ألمح له العالم الجليل ابن الأمير الصنعاني بقصائد و مكاتبات شهيرة و الذي تعرض لمحاولات اغتيال متعددة على خلفية دعواته للثورة على الظلم و مقارعة الاستبداد و منع من الخطابة و الإرشاد
و كان لسياسة الاستبداد والفساد و الظلم للمنصور تبعاتها الكارثية على سلطته و بدأت البلاد تنتفض و تتناقض من أطرافها و تكونت حينها سلطنات صغيرة في الجنوب و صلت إلى حدود 22 إمارة و مشيخة .
و من شهارة جدد الحسن ابن القاسم دعوته للامامة في 1152ه و تلقب ب الهادي و استولى على حراز و ما جوارها إلا أن المنية عاجلته فاستراح المنصور منه إلا أن الضربة الموجعة جأته في العام ذاته من أقرب الناس إليه أخيه احمد الذي انفصل بتعز و الحجرية و دارت بينهم حروب و معارك كانت تلك المناطق مسرح عملياتها قتل فيها خلق كثير و دفع سكانها المسالمون ثمنا باهضا من دمائهم و اموالهم و اروح شبابهم لذلك الصراع الدموي المرير الذي لا ناقة لهم فيه و لا جمل و بعد وساطات مضنية و شاقة لثلة من العلماء و الوجهات توقف الصراع ليبقى لأحمد ما هو تحت يده و يدخل في ولاية أخيه و لم يمضي من الزمن اليسير حتى تجدد الصراع و اشتد اواره.
توفى المنصور في العام 1161ه لتبداء مرحلة قاسية و شديدة من الصراع و بوتيرة عالية بين (المهدي ) عباس الإمام الجديد و عمه احمد و قد سعى العلامة ابن الأمير الصنعاني لتلطيف الأجواء و نزع فتيل الفتن إلا أن الخلاف ظل قائما حتى وفاة العم بمدينة تعز و هم من عرفوا فيما بعد ببيت الباشا
تلك هي حقبة ثلاثين عاما من التاريخ اليمني المتشابه في أحداثه و صراعاته و المتحد في نتائجه الكارثية على اليمن و اليمنيين لالف عام خلت ونيف من عمر الزمن عطلت ملكات اليمنيين و قدراتهم و عطائتهم في صناعة الحضارة و كتابة المجد في سفر التاريخ المجيد لليمن السعيد .